كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والحشا: الناحية، وأنشدوا:
بأيِّ الحَشَا أَمْسَى ** الخَلِيْطُ المُبَايِنُ

أي: بأي النواحي، والمعنى: صار يوسف في حشًا من أن يكون بشرًا، لفرط جماله.
وقيل: صار في حشًا مما قرفته به امرأة العزيز.
وقال ابن عباس، ومجاهد: {حاش لله} بمعنى: معاذ الله.
قال الفراء: و{بشرًا} منصوب، لأن الباء قد استعملت فيه، فلا يكاد أهل الحجاز ينطقون إِلا بالباء، فلما حذفوها أحبوا أن يكون لها أثر فيما خرجت منه، فنصبوا على ذلك، وكذلك قوله: {ماهن أمهاتِهم} [المجادلة: 2]، وأما أهل نجد فيتكلمون بالباء وبغير الباء، فإذا أسقطوها، رفعوا، وهو أقوى الوجهين في العربية.
قال الزجاج: قوله: الرفع أقوى الوجيهن، غلط، لأن كتاب الله أقوى اللغات، ولم يقرأ بالرفع أحد.
وزعم الخليل، وسيبويه، وجميع النحويين القدماء أن {بشرًا} منصوب، لأنه خبر {ما} وما بمنزلة ليس.
قلت: وقد قرأ أبو المتوكل، وأبو نهيك، وعكرمة، ومعاذ القارئ في آخرين: {ما هذا بشر} بالرفع.
وقرأ أُبَيُّ بنُ كعبٍ، وأبو الجوزاء، وأبو السَّوَّار: {ما هذا بِشِرىً} بكسر الباء والشين مقصورًا منونًّا.
قال الفراء: أي: ما هذا بمشترى.
وقرأ ابن مسعود: {بشراءٍ} بالمد والهمز مخفوضًا منونًّا.
قوله تعالى: {إِنْ هذا إِلا مَلَكٌ} قرأ أُبَيٌّ، وأبو رزين، وعكرمة، وأبو حيوة، والجحدري: {ملِك} بكسر اللام.
قوله تعالى: {فذلكن الذي لمتنّني فيه} قال المفسرون: لما ذهلت عقولهن فقطَّعن أيدَيهن، قالت لهن ذلك.
فإن قيل: كيف أشارت إِليه وهو حاضر بقولها: {فذلكن}؟ فعنه جوابان ذكرهما ابن الأنباري:
أحدهما: أنها أشارت بذلكن إِلى يوسف بعد انصرافه من المجلس.
والثاني: أن في الكلام إِضمار هذا تقديره: فهذا ذلكن.
ومعنى: {لمتنّني فيه} أي: في حبه.
ثم أقرت عندهن، فقالت: {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم} أي: امتنع.
قوله تعالى: {وليكونن من الصاغرين} قال الزجاج: القراءة الجيدة تخفيف {وليكوننْ} والوقف عليها بالألف، لأن النون الخفيفة تبدل منها في الوقف الألف، تقول: اضربنْ زيدًا، وإِذا وقفت قلت: اضربا.
وقد قرئت {وليكوننَّ} بتشديد النون، وأكرهُها، لخلاف المصحف، لأن الشديدة لا يبدل منها شيء.
والصاغرون: المذَلُّون.
قوله تعالى: {قال رب السجن أحب إِلي} قال وهب بن منبه: لما قالت: {فذلكن الذي لمتنّني فيه} قلن: لا لوم عليكِ، قالت: فاطلبن إِلى يوسف أن يسعفني بحاجتي، فقلن: يا يوسف افعل، فقالت: لئن لم يفعل لأخلدنَّه السجن، فعند ذلك قال.
{رب السجن أحب إِلي}.
وقرأ يعقوب: {السَّجن} بفتح السين هاهنا فحسب.
قال الزجاج: من كسر سين {السجن} فعلى اسم المكان، فيكون المعنى: نزول السجن أحب إِليَّ من ركوب المعصية، ومن فتح، فعلى المصدر، المعنى: أن أُسجن أحب إِلي.
{وإِلاَّ تصرفْ عني كيدهن} أي: إِلاَّ تعصمني: {أصب إِليهن} أي: أمِل إِليهن.
يقال: صبا إِلى اللهو يصبو صَبْوًا وصُبُوًّا وصَباءً: إِذا مال.
وقال ابن الأنباري: ومعنى هذا الكلام: اللهم اصرف عني كيدهن، ولذلك قال: {فاستجاب له ربُّه}.
قال: فإن قيل: إِنما كادته امرأة العزيز وحدها، فكيف قال: {كيدهن}؟ فعنه ثلاثة أجوبة.
أحدها: أن العرب توقع الجمع على الواحد، فيقول قائلهم: خرجت إِلى البصرة في السفن، وهو لم يخرج إِلا في سفينة واحدة.
والثاني: أن المكنيَّ عنه امرأة العزيز والنسوة اللاتي عاضدنها على أمرها.
والثالث: أنه عنى امرأة العزيز وغيرها من نساء العالَمين اللاتي لهن مثل كيدها.
قوله تعالى: {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات} في المراد بالآيات ثلاثة أقوال: أحدها: أنها شق القميص، وقضاء ابن عمها عليها، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنها قدّ القميص، وشهادة الشاهد، وقطع الأيدي، وإِعظام النساء إِياه، رواه مجاهد عن ابن عباس.
والثالث: جَمَاله وعِفَّتُه، ذكره الماوردي.
قال وهب بن منبه: فأشار النسوة عليها بسحنه رجاء أن يستهوينه حين يخلو لهن في السجن، وقلن: متى سجنتيه قطع ذلك عنكِ قَالَةَ الناس التي قد شاعت، ورأوا أنكِ تبغضينه، ويذلُّه السجن لك، فلما انصرفن عادت إِلى مراودته فلم يزدد إِلا بُعدًا عنها، فلما يئست، قالت لسيدها: إِن هذا العبد قد فضحني، وقد أبغضتُ رؤيته، فائذن لي في سجنه، فأذن لها، فسجنتْه وأضرَّتْ به.
وقال السدي: قالت: إِما أن تأذن لي فأخرج وأعتذر بعذري، وإِما أن تحبسه كما حبستني، فظهر للعزيز وأصحابه من الرأي حبس يوسف.
قال الزجاج: كان العزيز أمر بالإِعراض فقط، ثم تغيَّر رأيه عن ذلك.
قال ابن الأنباري: وفي معنى الآية قولان:
أحدهما: {ثم بدا لهم} أي: ظهر لهم بالقول والرأي والفكر سجنه.
والثاني: ثم بدا لهم في يوسف بَدءٌ، فقالوا: والله لنسجننَّه، فاللام جواب يمين مضمرة.
فأما الحين، فهو يقع على قصير الزمان وطويله.
وفي المراد به هاهنا للمفسرين خمسة أقوال:
أحدها: خمس سنين، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: سنة، روي عن ابن عباس أيضًا.
والثالث: سبع سنين، قاله عكرمة.
والرابع: إِلى انقطاع القالَة، قاله عطاء.
والخامس: أنه زمان غير محدود، ذكره الماوردي، وهذا هو الصحيح، لأنهم لم يعزموا على حبسه مدة معلومة، وإِنما ذكر المفسرون قدر مالبث.
قوله تعالى: {ودخل معه السجن فتيان} قال الزجاج: فيه دليل على أنه حبس، وإِن لم يُذكر ذلك.
و{فتيان} جائز أن يكونا حَدَثين أو شيخين، لأنهم يسمون المملوك فتى.
قال ابن الأنباري: إِنما قال: {فتيان} لأنهما كانا مملوكين، والعرب تسمي المملوك فتى، شابًا كان أو شيخًا.
قال المفسرون: عُمِّر ملك مصر فملُّوه: فدسُّوا إِلى خبَّازه وصاحب شرابه أن يسمَّاه، فبلغه ذلك فحبسهما، فكان يوسف قال لأهل السجن: إِني أعبِّر الأحلام، فقال أحد الفتيين: هلم فلنجرب هذا العبد العبراني.
واختلفوا هل كانت رؤياهما صادقة، أم لا؟ على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها كانت كذبًا، وإِنما سألاه تجريبًا، قاله ابن مسعود، والسدي.
والثاني: أنها كانت صدقًا، قاله مجاهد، وابن إِسحاق.
والثالث: أن الذي صُلب منهما كان كاذبًا، وكان الآخر صادقًا، قاله أبو مجلز.
قوله تعالى: {قال أحدهما} يعني الساقي: {إِني أَراني} أي: في النوم: {أعصر خمرًا} أي: عنبًا.
وفي تسمية العنب خمرًا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه سماه باسم ما يؤول إِليه، لأن المعنى لا يلتبس.
كما يقال: فلان يطبخ الآجُرَّ ويعمل الدبس، وإِنما يطبخ اللبِن ويصنع التمر، وهذا قول أكثر المفسرين.
قال ابن الأنباري: وإِنما كان كذلك، لأن العرب توقع بالفرع ما هو واقع بالأصل، كقولهم: فلان يطبخ آجُرًّا.
والثاني: أن الخمر في لغة أهل عُمان اسم للعنب، قاله الضحاك، والزجاج.
قال ابن القاسم: وقد نطقت قريش بهذه اللغة وعرفتها.
والثالث: أن المعنى: أعصر عنب خمر، وأصل خمر، وسبب خمر، فحذف المضاف، وخلفه المضاف إِليه، كقوله: {واسأل القرية} [يوسف 82].
قال أبو صالح عن عن ابن عباس: رأى يوسف ذات يوم الخباز والساقي مهمومَين، فقال: ما شأنكما؟ قالا: رأينا رؤيا، قال: قُصَّاها عليَّ، قال الساقي: إِني رأيت كأني دخلت كرمًا فجنيت ثلاثة عناقيد عنب، فعصرتهن في الكأس، ثم أتيت به الملك فشربه، وقال الخباز: رأيت أني خرجت من مطبخ الملك أحمل فوق رأسي ثلاث سلال من خبز، فوقع طير على أعلاهن فأكل منها،: {نبئنا بتأويله} أي: أخبرنا بتفسيره.
وفي قوله: {إِنا نراك من المحسنين} خمسة أقوال:
أحدها: أنه كان يعود المرضى ويداويهم ويعزّي الحزين، رواه مجاهد عن ابن عباس.
والثاني: إِنا نراك محسنًا إِن أنبأتنا بتأويله، قاله ابن إِسحاق.
والثالث: إِنا نراك من العالِمين قد أحسنت العلم، قاله الفراء.
قال ابن الأنباري: فعلى هذا يكون مفعول الإِحسان محذوفًا، كما حُذف في قوله: {وفيه يَعصرون} [يوسف 49] يعني العنب والسمسم.
وإِنما علموا أنه عالم، لنشره العلم بينهم.
والرابع: إِنا نراك ممن يحسن التأويل، ذكره الزجاج.
والخامس: إِنا نراك محسنًا إِلى نفسك بلزومك طاعة الله، ذكره ابن الأنباري.
قوله تعالى: {قال لا يأتيكما طعام تُرْزَقانه} في معنى: الكلام قولان:
أحدهما: لا يأتيكما طعام تُرْزَقانه في اليقظة إِلا أخبرتكما به قبل أن يصل إِليكما، لأنه كان يخبر بما غاب كعيسى عليه السلام، وهو قول الحسن.
والثاني: لا يأتيكما طعام تُرْزَقانه في المنام إِلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما في اليقظة، هذا قول السدي.
قال ابن عباس: فقالا له: وكيف تعلم ذلك، ولست بساحر، ولا عرّاف، ولا صاحب نجوم؛ فقال: {ذلكما مما علَّمني ربي}.
فإن قيل: هذا كله ليس بجواب سؤالهما، فأين جواب سؤالهما؟ فعنه أربعة أجوبة:
أحدها: أنه لما علم أن أحدهما مقتول، دعاهما إِلى نصيبهما من الآخرة، قاله قتادة.
والثاني: أنه عدل عن الجواب لما فيه من المكروه لأحدهما، قاله ابن جريج.
والثالث: أنه ابتدأ بدعائهما إِلى الإِيمان قبل جواب السؤال، قاله الزجاج.
والرابع: أنه ظنهما كاذبَين في رؤياهما، فعدل عن جوابهما ليُعرضا عن مطالبته بالجواب فلما ألحّا أجابهما، ذكره ابن الأنباري.
فأما الملَّة فهي الدين.
وتكرير قوله: {هم} للتوكيد.
قوله تعالى: {ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء} قال ابن عباس: يريد: أن الله عصمنا من الشرك: {ذلك من فضل الله علينا} أي: اتِّباعنا الإِيمان بتوفيق الله.
{وعلى الناس} يعني المؤمنين بأن دلهم على دينه.
وقال ابن عباس: {ذلك من فضل الله علينا} أن جعلنا أنبياء {وعلى الناس} أن بعثنا إِليهم،: {ولكنَّ أكثر الناس} من أهل مصر: {لا يشكرون} نعم الله فيوحِّدونه.
قوله تعالى: {أأرباب متفرقون} يعني: الأصنام من صغير وكبير: {خيرٌ} أي: أعظم صفة في المدح: {أم الله الواحد القهار} يعني أنه أحق بالإِلهية من الأصنام؟ فأما الواحد، فقال الخطابي: هو الفرد الذي لم يزل وحده، وقيل: هوالمنقطع القرين، المعدوم الشريك والنظير، وليس كسائر الآحاد من الأجسام المؤلَّفة، فإن كل شيء سواه يُدعى واحدًا من جهة، غير واحد من جهات، والواحد لا يثنَّى من لفظه، لايقال: واحدان.
والقهار: الذي قهر الجبابرة من عتاة خلقه بالعقوبة، وقهر الخلق كلَّهم بالموت.
وقال غيره: القهار: الذي قهر كل شيء فذلَّلَه، فاستسلم وذلَّ له.
قوله تعالى: {ما تعبدون من دونه} إِنما جمع في الخطاب لهما، لأنه أراد جميع من شاركهما في شركهما.
وقوله: {من دونه} أي من دون الله: {إِلا أسماءً} يعني: الأرباب والآلهة، ولا يصح معاني تلك الأسماء للأصنام، فكأنها أسماء فارغة، فكأنهم يعبدون الأسماء، لأنها لا تصح معانيها.
{ما أنزل الله بها من سلطان} أي: من حجة بعبادتها.
{إِن الحكم إِلا لله} أي: ما القضاء والأمر والنهي إِلا له.
{ذلك الدّين القيِّم} أي: المستقيم يشير إِلى التوحيد.
{ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون} فيه قولان:
أحدهما: لا يعلمون أنه لا يجوز عبادة غيره.
والثاني: لا يعلمون ماللمطيعين من الثواب وللعاصين من العقاب.
قوله تعالى: {أمَّا أحدكما فيسقي ربَّه خمرًا} الرب هاهنا: السيد.
قال ابن السائب: لما قص الساقي رؤياه على يوسف، قال له: ما أحسن ما رأيت! أما الأغصان الثلاثة، فثلاثة أيام، يبعث إِليك الملك عند انقضائها، فيردك إِلى عملك، فتعود كأحسن ما كنت فيه، وقال للخبَّاز: بئس ما رأيت، السلال الثلاث، ثلاثة أيام، ثم يبعث إِليك الملك عند انقضائهن، فيقتلك ويصلبك ويأكل الطير من رأسك، فقالا: ما رأينا شيئًا، فقال: {قضي الأمر الذي فيه تستفتيان} أي: فُرغ منه، وسيقع بكما، صدقتما أو كذبتما.
فإن قيل: لم حتّم على وقوع التأويل، وربما صدق تأويل الرؤيا وكذب؟ فعنه جوابان.
أحدهما: أنه حتم ذلك لوحي أتاه من الله، وسبيل المنام المكذوب فيه أن لا يقع تأويله، فلما قال: قضي الأمر دل على أنه بوحي.
والثاني: أنه لم يحتم، بدليل قوله: وقال للذي ظنَّ أنه ناجٍ منهما، قال أصحاب هذا الجواب: معنى قضي الأمر: قُطع الجواب الذي التمستماه من جهتي، ولم يعنِ أن الأمر واقع بكما.